تحت رماد الهدوء.. تحذيرات من عودة التمرد في معقل بوكو حرام بنيجيريا

تحت رماد الهدوء.. تحذيرات من عودة التمرد في معقل بوكو حرام بنيجيريا
جنود نيجيريون يكافحون الإرهاب - أرشيف

على الطريق الممتد من مطار مايدوجوري إلى المدينة النيجيرية، ارتفعت جدران كلية البنات المطلية حديثًا كرمز للمقاومة في وجه حملة عنيفة شنها المتشددون لسنوات ضمن شعارهم "التعليم الغربي ممنوع".

عند دوار قريب على مشارف عاصمة ولاية بورنو، ركض ثلاثة رجال يرتدون الزي الرسمي خلف شاحنة إسمنت في محاولة لتحصيل رسوم مرور، ومع انطلاق السائق مبتعدًا بسرعة، تباطأ الرجال تحت حرارة بلغت 42 درجة مئوية، وابتسموا بأسى، منتظرين مرور الشاحنة الثقيلة التالية وفقاً لما أوردته الاثنين صحيفة "الغارديان" البريطانية.

وفي ذروة تمرد جماعة بوكو حرام الذي استمر 15 عامًا، كانت القنابل تهز سوق الاثنين الشعبي بشكل شبه يومي، إلا أن المدينة، المعروفة بأنها مهد الجماعة المسلحة، لم تشهد أي هجوم كبير منذ فبراير 2021، وعكست الأجواء الراهنة هدوءًا نسبيًا.

تحذيرات من تجدد الخطر

ظنّ كثيرون أن التمرد قد انتهى، لكن في 8 أبريل من هذا العام، أطلق حاكم بورنو، باباغانا زولوم، تحذيرًا صادمًا مفاده أن بوكو حرام تخطط للعودة، وأوضح خلال اجتماع أمني أن تجدد الهجمات وعمليات الاختطاف يحدث "بشكل شبه يومي دون مقاومة"، محذرًا من أن سلطات الولاية تفقد نفوذها.

جاء تحذير زولوم بعد أقل من شهر من مهاجمة مسلحين قاعدتين عسكريتين في بورنو، بالإضافة إلى نجاة موكب الحاكم من محاولة كمين، فيما أكد متحدث عسكري أن الجيش يقدم "تضحيات جسيمة يجب تقديرها"، في حين أصر وزير الإعلام النيجيري محمد إدريس على أن الجماعات المسلحة "تبددت إلى حد كبير"، رغم إقراره بعدم القضاء التام عليها.

ردّ زولوم على هذه التصريحات قائلًا: "أعتقد أنه ساذج بشأن ما يحدث في البلاد"، مشيرًا إلى تباين الرؤى بين القيادة المحلية والسلطات الفيدرالية.

تحالفات دولية

في السنوات الأخيرة، استعاد تحالف يضم الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا أراضي كانت تسيطر عليها بوكو حرام، وأسهم في تأمين مناطق واسعة، كما تسببت الانقسامات داخل الجماعة إلى فصيلين متحاربين، ما أضعف قوتها.

في يناير 2024، تعهد الرئيس بولا تينوبو بـ"القضاء على ما تبقى من بوكو حرام والعصابات المسلحة"، مؤكدًا أن الحكومة "لن ترتاح حتى يتم القضاء على جميع وكلاء الظلام".

رغم الجهود، قال محللون إن القوات تواجه تحديات كبرى في السيطرة على منطقة "مثلث تمبكتو"، الممتدة من ولاية يوبي الشرقية إلى غرب بورنو، حيث تحتفظ الجماعات المتطرفة بوجود مؤثر.

تصاعد الهجمات

شهد يناير مقتل 40 مزارعًا واختطاف آخرين على يد بوكو حرام وتنظيم داعش في غرب إفريقيا (ISWAP)، الذي يتبع نهجًا مختلفًا بفرض ضرائب على القرى الصغيرة وتحويل العائدات إلى قياداته.

يثير الوضع الأمني مخاوف من أن آلاف الأسر التي أعيد توطينها في قراها قد تكون عرضة للخطر، خاصة مع تحذيرات مجموعة الأزمات الدولية من أن "الإعادة المتسرعة تُعرّض حياة المدنيين للخطر وتمنح الجماعات المسلحة فرصة للتغلغل داخل المجتمعات المحلية".

وفي ولاية يوبي، قُتل 34 شخصًا في هجوم وقع في سبتمبر، في حين أفادت تقارير إعلامية بأن قرويين في غوجبا تلقوا تهديدات من بوكو حرام بسبب تعاونهم مع الجيش، رغم نفي السلطات وجود معلومات استخباراتية تؤكد ذلك.

أثار انسحاب النيجر من التحالف العسكري مخاوف إضافية بشأن تبادل المعلومات الاستخباراتية وفعالية العمليات العسكرية، خاصة مع خروج القوات الفرنسية والأمريكية من منطقة الساحل، وتأخر بدء عمل القوة الإقليمية الجديدة.

اتهامات بالإهمال

في مايدوجوري، عبّر البعض عن استيائهم من إدارة تينوبو، متهمين مستشار الأمن القومي بالتركيز على القضايا السياسية بدلًا من الأمن.

في إحدى العيادات بالمدينة، راقب عامل إغاثة، طلب عدم كشف هويته، طالبات تمريض وهنّ يتجولن في الممرات، وقال: "الجميع نسي مايدوجوري".

بوكو حرام جماعة جهادية متشددة تأسست في شمال شرق نيجيريا عام 2002 على يد محمد يوسف، رفعت الجماعة شعار "التعليم الغربي حرام"، وسعت منذ بداياتها إلى فرض تفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية، في عام 2009، تحولت الجماعة إلى التمرد المسلح بعد مقتل زعيمها يوسف أثناء احتجازه لدى الشرطة، ما أدى إلى إطلاق حملة دموية استهدفت قوات الأمن والمدنيين.

تصاعد نشاط الجماعة بشكل حاد خلال العقد الماضي، فأسفر عن مقتل أكثر من 36 ألف شخص وتشريد نحو 2.2 مليون آخرين في نيجيريا والدول المجاورة مثل تشاد والكاميرون والنيجر. وأثارت عمليتها الشهيرة عام 2014، حين اختطفت 276 فتاة من مدرسة في بلدة شيبوك، صدمة دولية واسعة.

ومع مرور الوقت، انقسمت بوكو حرام إلى فصيلين رئيسيين: الجماعة الأم، وتنظيم الدولة في غرب إفريقيا (ISWAP)، الذي بايع تنظيم داعش واتبعت تكتيكات أكثر تنظيمًا واستغلالًا اقتصاديًا للمناطق التي تسيطر عليها.

ورغم جهود التحالف الإقليمي المكوّن من نيجيريا ودول الجوار، إلى جانب العمليات العسكرية المتواصلة، لا تزال الجماعة تمثل تهديدًا أمنيًا خطِرًا في المنطقة، مع محاولات مستمرة للعودة والتمدد، خاصة في ظل تراجع بعض التحالفات العسكرية الدولية مؤخرًا.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية